عطارد ، دورة مكثفة في علم الفلك


Mercury: Crash Course Astronomy #13

عطارد هو الكوكب الأقرب إلى الشمس،

وكما تتوقعون، هذا يجعل درجة حرارته عالية جدًا.

لكنه رائع جدًا أيضًا.

ترى العين المجردة سبعة أجرام من النظام الشمسي

في السماء، وهي عطارد والزهرة والمريخ والمشتري

وزحل والشمس والقمر. سبعة.

يرتبط كل جسم منها بإله من الحضارات القديمة.

كان Mercury، أي عطارد،

رسول الآلهة الروماني المعروف بسرعته،

كان يملك أجنحة على حذائيه.

وكان مسافرًا سريعًا.

لمن رأى يومًا عطارد في السماء،

هذه التسمية المتصلة بإله سريع منطقية.

يتحرك عطارد بسرعة كبيرة ويغير موقعه بوضوح

مقارنة بالنجوم التي خلفه، حتى بعد ليلة واحدة.

لكن رغم سرعته، لا يبتعد الكوكب كثيرًا

من الشمس، وأقصى ما يصل إليه

هو ابتعاد بدرجة 28، أي حوالي ثلاث مرات

حجم قبضة اليد ممدودة على بعد الذراع.

استخدم الفلكي الإيطالي جيوفاني زوبي

في عام 1639 التلسكوب لمراقبة عطارد.

واكتشف أنه يكمل دورة تتضمن عدة مراحل

بمرور الوقت، مثل القمر تمامًا.

يحدث ذلك فقط إذا كان

عطارد يدور حول الشمس وليس الأرض.

وذلك برهان آخر على مركزية الشمس،

وهي نظرية كانت تحصد قبولاً متزايدًا.

وهذه النظرية هي الواقع.

فعطارد هو أقرب كوكب للشمس في النظام الشمسي.

إذ يدور حول الشمس على مسافة متوسطة

تساوي 58 مليون كيلومتر،

أي حوالي ثلث المسافة بين الأرض والشمس.

ولهذا السبب لا نرى عطارد يبتعد أبدًا عن الشمس.

من منظورنا،

يبقيه مداره الصغير قريبًا من نجمتنا.

لهذا نراه يتحرك بسرعة كبيرة.

يعني قربه من الشمس

أن قوة جاذبيتها عليه أكبر،

وبالتالي سرعة دورانه أكبر من الأرض.

يدور حول الشمس مرة كل 88 يومًا.

ولهذا نراه يمر في مراحل عدة أيضًا.

عندما يكون واقعًا بيننا وبين الشمس،

فنحن ننظر إلى جانبه المظلم.

وعندما يكون على الجانب الآخر من الشمس،

ننظر إلى نصفه المضاء.

وفي الحالات الأخرى يمر بنفس مراحل القمر.

وهي الهلال ونصف الممتلئ والحدب وغيرها.

لكن تصعب ملاحظة هذه المراحل.

لأن عطارد لا يبتعد كثيرًا من الشمس

يبقى منخفضًا عند الأفق

بعد المغيب أو قبل الشروق.

وعندما نراقبه، ننظر إليه من خلال الأوساخ

والاضطرابات في هوائنا، لذا إنه غير واضح عادة.

والأسوأ أنه كوكب صغير قطره 4900 كيلومتر فقط،

أي ثلث عرض الأرض تقريبًا.

لكن النقطة الإيجابية لكل هذا،

هي لأنه قريب من الشمس، فإنه مُضاء بشدة،

ويبقى ساطعًا جدًا حتى قرب الأفق.

يجدر بكم أن تروه إن سنحت لكم الفرصة،

فهو رائع بالفعل.

مدار عطارد غريب،

شكله إهليجي أكثر من سائر الكواكب،

يتراوح بعده عن الشمس بين 46 و70 مليون

كيلومتر. ويتلقى عند أقرب نقطة من الشمس

أكثر من ضعف كمية الضوء والحرارة

التي يتلقاها عند أبعد نقطة.

عطارد صغير للغاية وتصعب مراقبته

من أجل رؤية ملامح سطحه.

ولذلك لطالما تعذرت معرفة طول يومه.

اعتقد الفلكيون أن قوى مد وجزر الشمس

قد قيدت التفاف عطارد وساوت بين نهاره وسنته.

مثلما يلتف القمر مرة واحدة

كلما دار حول الأرض. لكن في عام 1965،

استخدم الفلكيون رادار دوبلر

لمراقبة عطارد وقياس التفافه مباشرة،

وتفاجأوا بالنتيجة.

فيومه يوازي 59 يومًا على الأرض، وليس 88 يوم.

لكن هذا رقم كبير أيضًا.

تحديدًا، سنة عطارد الحقيقة

تساوي هي 87.97 يومًا.

وطول يومه الحقيقي يساوي 58.65 يومًا على الأرض.

إن قسمنا الرقمين،

نرى أن النسبة هي ثلثين تمامًا.

اتضح أن قوى المد والجزر

تقيّد التفاف الكوكب بمداره بعدة طرق.

قلت سابقًا إن مدار عطارد إهليجي جدًا.

ذلك لأن قوى مد وجزر الشمس

أقوى بكثير على عطارد عند الحضيض،

أي عندما يكون في أقرب نقطة من الشمس في مداره.

مقارنةً من تلك القوى عليه عند الأوج، وهي أبعد

نقطة في مداره. مباشرةً بعد تشكيل عطارد،

أبطأت قوى مد وجزر الشمس دورانه

كما أبطأت قوى مد وجزر الأرض القمر.

لكن في مرحلة ما،

وصل بطء التفاف عطارد إلى ثلثي فترة دورانه.

عندما يمر بالحضيض،

يواجه جانب منه الشمس، وبعد 88 يوم تقريبًا

يصل إلى الحضيض مجددًا، ويكون قد التف مرة ونصف

ما يعني أن الجانب المواجه تمامًا لعطارد

يواجه الشمس عند النقطة الأقرب هذه.

وبعد 88 يومًا،

يكون قد التف مرة ونصف مجددًا،

ويتكرر ذلك على هذه الحال.

تبين أن هذا تكوين مستقر ومقبول،

مثل معادلة التفاف واحد مقابل دورة مدار واحدة.

المنطق الفيزيائي هو أن قوى المد والجزر

تحب المضاعفات البسيطة.

حالما يصبح اليوم ثلثي مدة السنة،

بفعل مدار عطارد الإهليجي،

تتوقف قوى المد والجزر عن إبطائه،

وبقيت الأمور على هذه الحال منذ ذلك الوقت.

مدار عطارد الإهليجي

والتفافه بنسبة ثلاثة إلى اثنين من مداره

يجعلان أيام الكوكب غريبة جدًا. إن بقيتم

في مكان واحد، تحتاج الشمس إلى سنتين عطاردتين،

أي 176 يومًا، لتكمل دورة واحدة في السماء. هذا

يحدث لأنه إن كنتم في جانب عطارد المواجه للشمس

عند إحدى نقاط الحضيض،

سيواجه الجانب الآخر الشمس بعد سنة.

لن تواجهوا الشمس مجددًا

إلا بعد انتهاء السنة الثانية.

لكن يصبح الأمر أكثر غرابة.

التفاف عطارد ثابت، فلا يسرع أو يبطئ.

لكن حركته حول الشمس أسرع عند الحضيض

منها عند الأوج. وعند الأوج يكون التفافه

أسرع بقليل من سرعة مداره،

فتتحرك الشمس بسرعة في السماء نحو الغرب.

لكن عند الحضيض، تعوض حركته

حول الشمس عن التفافه بمقدار كبير،

لذا تبدو الشمس متوقفة في السماء،

وتسير إلى الخلف لبضعة أيام حتى.

ثم بينما يبتعد عطارد عن الشمس،

تقلّ سرعة مداره،

وتتحرك الشمس نحو الغرب من جديد

حيث يهيمن دوران الكوكب.

إن كنتم في المكان المناسب على سطح الكوكب،

قد ترون الشمس تشرق وتبطئ وتتوقف

ثم تغرب مجددًا وتشرق مجددًا.

وكنتم تظنون

أن المناطق الزمنية على الأرض صعبة.

تصعب مراقبة عطارد من الأرض، وأغلب ما نعرفه

يأتي مما لاحظته المسابر الفضائية

التي أرسِلت إلى هناك. مرّ مسبار مارينر 10

ثلاث مرات قرب عطارد في السبعينات

ورسم خريطة لنصف سطحه تقريبًا.

اكتشفنا أنه لا يملك غلافًا جويًا تقريبًا،

وبالتالي أن سطحه مغطى بالحفر

هو أمر يخلو من أي مفاجأة.

دخل مسبار ميسينجر في المدار حول عطارد

في عام 2011 بعد مروره من قربه عدة مرات.

واتخذ صورًا مثيرة للدهشة

وبينت عالمًا شهد ضربات عدة على مدى دهور.

فتغطي الحفر سطحه بالكامل، من قطبه الشمالي

إلى الجنوبي، بعضها قطرها مئات الكيلومترات.

أكبرها يدعى حوض كالوريس،

وناتج عن صدمة هائلة وقطره 1600 كيلومتر.

نجد على عطارد بعض السهول المستوية

التي تبدو أقدم من المناطق المليئة بالحفر.

تغطي هذه السهول تشققات عميقة تدعى “روبيه”

وهي انخفاضات كالتجاعيد على قشر الثمار الجافة.

يبدو أنه بعد برود باطن عطارد بعد تشكله

تقلص حجم الكوكب

وتشقق سطحه بينما كان يحاول أن يتقلص أيضًا.

تمتلك العديد من الحفر أنظمة أشعة واسعة.

تتشكل هذه الأنظمة، مثل تلك التي على القمر،

عندما تقذف الصدمات بالمواد بعيدًا،

ثم تستقر على السطح.

من أكثر الأشياء المفضلة لدي حول عطارد،

هو أن الحفر مسماة على أسماء فنانين.

موسيقيين وكتّاب ورسامين وغيرهم. فنجد حفرًا

مثل بوتيتشيلي وتشيخوف وديبوسي وديغا وأوكيو

وسيبيليوس وفيفالدي وزولا.

هناك حفرة اسمها تولكين حتى.

أما تحت السطح، فلا يمكننا إلا أن نستنتج

ما هي تركيبة عطارد الداخلية.

لكن كثافة عطارد بقدر كثافة الأرض تقريبًا.

نعرف أن سطحه صخري

ومن أجل أن يكون بهذه الكثافة،

يجب أن يمتلك نواة كبيرة حديدية

وأكبر نسبيًا من نواة الأرض. قد يصل كبر

نواة عطارد إلى ثلاثة أرباع المسافة إلى سطحه.

لمَ هذه النسبة العالية من الحديد؟

يُحتمل أن عطارد تشكل ككوكب أكبر

ثم تفجر

جراء صدمة هائلة تخلصت من المواد الخفيفة

التي ارتفعت إلى السطح

تاركة الجزء الأعلى كثافة خلفها.

أو ربما أدت حرارة الشمس التي لا تزال تتكون

وقتها إلى تبخر المواد الأخف على السطح.

يمتلك عطارد حقلاً مغناطيسيًا يمكن قياسه،

وهو أمر مفاجئ نظرًا لدورانه البطيء.

علمًا أن الدوران مهم جدًا في الحقلين

المغناطيسين للأرض والشمس. يتناسب ذلك

مع كون معظم باطنه من الحديد المصهور. فقد تسمح

نواة أكبر ببروز حقل أقوى رغم بطء الدوران.

غلافه الجوي شبه معدوم لكننا نرى له أثرًا،

في الأغلب بفضل الحقل المغناطيسي الذي يحصر

الرياح الشمسية، والمواد التي تتطاير عن السطح

بعد الصدمات العنيفة للمذنبات والكويكبات.

الكثير من هذه المواد التي تطايرت من على السطح

تترك الكوكب، وتقذفها الرياح الشمسية

وضغط من أشعة الشمس،

فتشكل ذيلاً طويلاً يشبه المذنب

طوله مئات ملايين الكيلومترات.

يتألف هذا الذيل من عناصر

كالصوديوم والكالسيوم والمغنيسيوم.

وهي مواد يُعرف أنها تتوافر بكثرة على السطح.

في هذا الصدد، إليكم حقيقة ممتعة. بقياس قوة

الضرب بالكيلوغرامات، إن الصدمات على سطح عطارد

أعنف من الصدمات على الأرض. يمتلك عطارد

جاذبية أضعف، فلا يجذب الأجسام كما تفعل الأرض،

بل يدور حول الشمس بشكلٍ أسرع من الأرض،

لذا تصطدم الكويكبات والمذنبات به بسرعة أكبر.

هذا يجعل قوة الانفجار أكبر،

ويتسبب باتساع الحفر.

ولا يزال عطارد يمتلك مفاجأة في جعبته،

وهي مثيرة للدهشة جدًا.

لرغم قربه الشديد من الشمس، ووصول حرارة سطحه

إلى 430 درجة مئوية، أي 800 فهرنهايت،

وجد الفلكيون ماءًا مجمدًا على عطارد.

الماء موجود في أسفل الحفر العميقة قرب قطبيه

حيث لا تصل أشعة الشمس إلى هناك أبدًا.

تسمى “مصائد باردة”، ودرجة حرارتها

لا تزيد عن سالب 170 درجة مئوية.

مصدر المياه غير معروف تمامًا،

لكن يُرجح أنها أتت من الكويكبات والمذنبات

التي اصطدمت بالكوكب ونشرت الماء على سطحه.

تتبخر المياه طبعًا بسبب الحرارة العالية

وتختفي، لكن تلك التي في الحفر العميقة

تبقى وتتراكم على مدى دهور.

قد يكون هناك مليارات الأطنان من الماء.

من الغريب أن نتخيل أنه في أحد الأماكن

الأشد حرارة في النظام الشمسي،

يتوفر مناخ بارد جدًا لدرجة أنه يمكن للجليد

أن يتشكل. لكن ما تعلمناه عن الطبيعة مرارًا

هو أنّ مخيلتها أوسع من مخيلتنا.

تعلمتم اليوم أن عطارد

هو الكوكب الأقرب إلى الشمس.

لا يوجد هواء فيه وهو كثيف وتغطيه الحفر.

التفافه مقيّد بدورانه بنسبة اثنين إلى ثلاثة.

ومع مداره الإهليجي،

يصبح اليوم على عطارد طويلاً وغريبًا جدًا.

وبالرغم من حرارته المرتفعة، يتوفر الماء

المتجمد في الحفر العميقة عند القطبين.

Crash Course Astronomy بإنتاج

مشترك مع استوديوهات PBS Digital.

يمكنك زيارة قناتهم لمشاهدة فيديوهات رائعة

أخرى. هذه الحلقة من كتابتي أنا، فيل بلايت،

ومحررها كان بلايك دي باستينو

ومستشارتنا هي الدكتورة ميشيل ثالر.

الحلقة من إخراج نيكولاس جنكينز ومونتاج

نيكول سويني وفريق الرسومات هو Thought Café.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *