تاريخ موجز للكون ، دورة مكثفة في علم الفلك


A Brief History of the Universe: Crash Course Astronomy #44

مرحبًا بكم، أنا فيل بلايت

تطرقت في الحلقات الماضية

عمّا نعرفه عن تركيب وتاريخ

وتطور الكون وكيف نعرفه.

وحان الوقت الآن للتطرق لذلك عمليًا. ويمكننا

استغلال معرفتنا بالحساب والفيزياء والفضاء

لمعرفة كيف كان الكون في الماضي.

لنعود إلى اللحظة الأولى حرفيًا

بعد نشوئه.

فإليكم تاريخًا مختصرًا عن الكون…

لم يكن هناك شيء في البداية

ثمّ تكوّن كل شيء

أتريدون المزيد؟

قد يبدو غريبًا قليلًا

لافتراض أننا قد نفهم كيف نشأ الكون،

ولكنه كأي مجال علمي آخر

لدينا أدلة وملاحظات وفق ما نراه الآن.

بمعرفتنا للقوانين الفيزيائية

يمكننا العودة بالزمن

لنرى كيف كانت الأمور

في الماضي البعيد.

فمثلًا، وكما تطرقت في الحلقات السابقة

فإنّ الكون يتوسع.

وهذا يعني أنّه كان مسبقًا كثيفًا ومكتظًا أكثر،

وبلحظة ما، كان أكثر حرارة من سطح نجم

وأكثر سخونة من لب نجم ما

وكذلك من قلب المستعر الأعظم.

وحتى بعودتنا بالزمن للوراء أكثر

نجد أن درجات الحرارة والكثافات

التي تجعل المستعر الأعظم باردًا

وأقل كثافة بشكل إيجابي.

كثير ممّا نعرفه عن بداية الكون

مصدره تجارب أجريت بمُعجّلات جسيمات ضخمة.

عندما كان الكون صغيرًا وساخنًا جدًا

كانت الجسيمات تنطلق بسرعة كبيرة

وترتطم ببعضها البعض،

مُكوّنة جسيمات دون ذرية خلال العملية،

وهو ما تفعله مُعجّلات الجسيمات بالضبط،

فكلّما زادت الطاقة التي نزود بها المُعجّلات

ازدادت سرعة تخبط الجزيئات معًا

لنصل لمرحلة الكون البدائية لندرسها.

وهذا أحد الأسباب الرئيسية

لمواصلتنا تكبيرها وجعلها أقوى

وذلك لاختبار أفكارنا

عمّا كان عليه الكون ببدايته.

لنعد بالزمن للوراء، بالنظر حولنا

وبإلقاء نظرة مقربة وبعيدة على الكون

ماذا عسانا نقوله عن بداية كل شيء؟

عندما نشأ الكون، كان حارقًا وكثيفًا جدًا

ومختلفًا تمامًا عمّا هو عليه اليوم؛

لأنّك كلّما زدت ضخ طاقة

في شيء ما اختلف سلوكه أكثر

حتّى أن طبيعته الأساسية الفيزيائية تتغير.

لنأخذ كرة ثلجية ونسخنها فستذوب

ونسمي ذلك مرحلة تغير أو تغير الحالة

وعند تسخينها أكثر فتتبخر وتتحول لغاز

وهو ما يزال ماءً ومكون من جزيئيّ الماء

ولكنه مختلف بالشكل والسلوك

أليس كذلك؟

عند تسخين شيء فتعطيه طاقة أكثر،

ويعني هذا في المواد الصلبة

أن الذرات تهتز أكثر فأكثر

حتى تتحرر ممّا يربطها معًا ويذوب الصلب.

وتظل الذرات مرتبطة معًا بقوى أخرى

ولكن عند تسخينها أكثر

فتتحرر منها أيضًا ويتحول السائل لغاز،

وعند تسخينها أكثر فإنّك تعطيها طاقة أكثر

فتهتز الذرات أسرع فأسرع،

وعند تسخينها لملايين أو مليارات الدرجات

فتتفكك الذرات وتتضارب معًا بعنف كبير

ويمكنها التغلب على القوى الكبيرة

التي تربط نواتها

وتحصل على حساء جزيئات دون ذرية

من الإلكترونات والنيوترونات والبروتونات.

وبتسخينها أكثر، فإن البروتونات والنيوترونات

ستتلاطم كثيرًا ما يكفي لتتكسر

وتصل إلى حالة الجسيمات دون الذرية الأساسية

والتي نسميها كوارك،

وكما نعرف، فإن الكواركات والإلكترونات

جسيمات أساسية ولا يمكن أن تنقسم أكثر.

ربما تفهمون إلى أين سأصل بكلامي،

بعودتنا بالزمن للوراء

فيزداد الكون كثافة وحرارة، وبلحظة ما مسبقًا

كانت الحرارة عالية جدًا

حتى أن الذرات لم تستطع التمسك بإلكتروناتها

وبالعودة أكثر، مع ارتفاع الحرارة أكثر

فالنويات لم تستطع التماسك معًا

وكان الكون كرة طاقة كثيفة وصغيرة

ممزوجة مع النيوترونات

والإلكترونات والبروتونات.

وحتى أن ذلك يتغير بالعودة للوراء أكثر،

حيث عجز البروتون والنيوترون عن التشكل

لأنّهما بلحظة قيامهما بذلك

يرتطمان معًا بقوة كافية ليعاودا الانفصال.

كان الكون عبارة عن بحر

من الإلكترونات والكواركات

وكان الكون آنذاك مكانًا غريبًا وخطيرًا،

وحتى القوى الأساسية التي نراها اليوم

كالجاذبية والقوى الكهرومغناطيسية والقوتين

النوويتين المسؤولتان عن ترابط النواة الذرية

وتجيز كذلك التفكك

لتصل إلى اضمحلال نشاط إشعاعي،

حيث تترابط معًا بقوة هائلة واحدة.

كالكرة الثلجية الذائبة والمتبخرة،

فكل لحظة من تاريخ الكون كانت كمرحلة تغير.

طبيعة الحقيقة كانت تتغير،

حيث أنّ قوانينها وسلوكياتها كانت مختلفة.

نعود بالزمن للوراء للحظة معينة

مقتربين كثيرًا للحظة الأولية بالزمن،

حيث أن قوانين الفيزياء

لا تنحدر كثيرًا

لنصل لمصطلح “مكان غير مكتشف أو خطير”

بل نحن لا نفهم القوانين كفاية

لنستطيع التحدث عن أي شيء

عن لحظة الزمن الأولى.

ما الزمن الذي نتحدث عنه هنا؟

إن سمينا لحظة الانفجار العظيم لحظة الصفر

فقوانيننا الفيزيائية لا تصف ما يحدث

بالثواني العشرة الأولى إلى السالب 43 ثانية.

دعوني أقول بسخرية قليلة

“ذلك ليس سيئًا كثيرًا”،

فعمر الكون 13.82 مليار سنة. فالقدرة

على العودة بالزمن لجزء الثانية الأول

من عشرة مليون ترليون ترليون ترليون

ثانية يعتبر نجاحًا فيزيائيًا باهرًا.

ما حدث بعد جزء الثانية ذلك

فُهم أفضل، بحيث توسع الكون وبرد.

اتخذت القوى الأربعة طرقًا منفصلة

والجسيمات دون الذرية الأساسية

استطاعت التماسك معًا. وهذا كله حدث

بثانية نشوء الكون الأولى.

بعد 3 دقائق، أجل، فعليًا

برد الكون كفاية

حيث بدأت الجسيمات دون الذرية

الالتصاق معًا، وبعد 17 دقيقة

قام الكون بشيء استثنائي

حيث صنع ذرات.

كان الكون ما يزال ساخنًا جدًا كجوف نجمة،

ولكن الاندماج النووي يحدث على تلك الحرارة.

تلاطمت الجزيئات معًا لبضع دقائق

وشكلت الدوتيريوم

ونظير هيدروجين وهيليوم

وقليل من الليثيوم وكذلك قليل من البيريليوم

ولكنه كان نشط الإشعاع،

واضمحل إلى ليثيوم بسرعة.

ثم عند الدقيقة العشرين، برد الكون كفاية

وتوقف الاندماج، وعندما حدث ذلك؛

تضاعفت كمية الهيدروجين 3 أضعاف الهيليوم

في الكون، وهذه النسبة البدائية

ما تزال صحيحة حتى يومنا هذا.

فعندما نقيس وفرة مكونات الشمس

نرى أنها 75% هيدروجين

و25% هيليوم.

وبهذه اللحظة، ما تزال حرارة الكون أكثر

من سطح النجم ولكنه مستمر بالتوسع والبرودة.

وبذلك يبدأ الشكل بالتكون

وتتغلب جاذبية المادة على الحرارة الهائلة.

وهذه تُكوّن المجرات التي نراها اليوم.

هذا مهم وغريب قليلًا

وسأعود للتطرق إليه بعد قليل.

وقع الحدث الكبير التالي عندما كان عمر

الكون المديد 380 ألف سنة.

وإلى الآن، لم تستطع الإلكترونات الترابط

مع النويات الذرية المتحركة؛

فكلما حاولت تكون الحرارة عالية فتُفجّرها

الفوتونات الطائشة مجددًا. والكون كان متأيّنًا.

ولكن بعد 380 ألف سنة، برد كفاية فاندمجت

الإلكترونات مع البروتونات ونواة الهيليوم.

وتحولت إلى ذرات محايدة ومتزنة

في بداية الأمر.

نسمي هذه اللحظة “إعادة التوحد”.

ولقد كان هذا حدثًا مهمًا،

فالإلكترونات الحرة ماهرة جدًا

بامتصاص الفوتونات، بامتصاص الضوء.

وبينما كان الكون ما يزال متأينًا

وقبل عملية إعادة التوحد، كان خامدًا.

ولم يكن بمقدور الفوتون الابتعاد كثيرًا

قبل امتصاص الإلكترون له.

ولكن بعد عملية إعادة الاتحاد، كانت

الفوتونات حرة الطيران، وأصبح الكون شفافًا.

وما أهمية ذلك؟

لأن الضوء بعث بهذا الوقت، الإشعاع الخلفي

الكوني الميكروويفي الذي نراه اليوم.

وهذه الذرات المحايدة بعثت الضوء

وكانت ساخنة بقدر نجم أحمر قزم،

وهذه الفوتونات تتحرك منذ ذلك الوقت

مواجهة توسع الكون، وتنزاح نحو الأحمر

في جزء الطيف الميكروويفي

وهي تُرى اليوم في السماء. وذلك الوهج الخلفي،

الذي تكهن به نموذج الانفجار الأعظم كان

برحلته إلى الأرض منذ حوالي 13.8 مليار سنة.

وهذا الضوء مهم جدًا،

لأنه يطلعنا على ماهية الكون

ليس بمدة طويلة بعدما تشكل.

فمثلًا، يبدو ذلك الضوء متشابهًا تمامًا

أينما نظرت إليه في السماء. تراه سلسًا.

وذلك يُخبرنا بأنّ المادة كانت موزعة

بكل أرجاء الكون بالتساوي آنذاك.

والمادة كلها لها درجة الحرارة ذاتها.

ولو كانت هناك بقعة واحدة أكثر كثافة وتكتّلًا

فستكون أكثر حرارة،

وكنا لنرى ذلك في الإشعاع الخلفي

كمجموعة ألوان زرقاء.

إنّ ذلك غريب جدًا.

فعندما تنظر للإشعاع الخلفي

من جهة أخرى في السماء

فتراها قادمة من اتجاهات متعاكسة

في الكون، وحتى آنذاك، مناطق الكون تلك

كانت مفصولة بمسافات واسعة، وكان أمامها

الوقت الطويل لتسلك اتجاهات مختلفة.

وتتغير بطرق مختلفة. يجب أن تبدو

بأشكال مختلفة ولكنها ليست كذلك.

فعندما تطورت المناظير، اكتشفت تنوعات صغيرة

جدًا في الضوء، ولكنها كانت صغيرة جدًا.

بمجرد عامل واحد من مائة ألف.

بمعنى آخر، أحد الأجزاء في السماء

قد تبدو حرارته 2.72500 وحدة كلفين

بينما جزء آخر حرارته 2.752501 كلفين.

ولقد احتوى الكون على كتل

ولكنها كانت صغيرة جدًا أكثر من المتوقع.

وحتمًا وقع شيء بالكون أجبره ليكون سلسًا

حتى بعد مرور مئات آلاف السنين

على الانفجار العظيم.

قادت النظرية الفيزيائي آلان غوث

لتقديم إضافة مذهلة لنموذج الانفجار العظيم.

وبلحظة ما ببداية الكون،

تسارع التوسع فجأة بشكل شاسع.

وخلال أقل من جزء من الثانية، تضخمت السماء

بشكل ضخم أكثر من التوسع العادي،

وازداد حجمها بحوالي 100 تريليون تريليون

مرة. ونسمي هذا التوسع الكبير “التضخم”.

قد يبدو استبداديًا قليلًا

ولكنه أصبح اكتشافًا فيزيائيًا حاليًا،

فهو يبدو نوعًا ما أحد مراحل التغير في الكون

التي حدثت بأجزاء الثانية الأولى،

وألقت بكميات كبيرة من الطاقة

في بنية الزمكان،

وتسببت بانتفاخه بشكل هائل.

يُفسر التضخم سبب سلاسة الكون

أثناء عملية إعادة الاتحاد.

توسّع الكون كثيرًا وسُوّيت فيه كل الكتل،

كتسوية غطاء السرير لإزالة التجعدات.

يُفسر التضخم مشاكل كثيرة أخرى

حدثت في علم الكون،

ورغم تشكل التفاصيل

فإنّ الفكرة الأساسية نوعًا ما،

فلتعذروني على الوصف

اتفق عليها رواد الفضاء.

التقلبات التي نراها في الوهج الخلفي الآن

هي بالواقع اضطرابات صغيرة بتركيبة الفضاء

عند حدوث التضخم، والتي توسعت

من التضخم وبلغت حجمًا مجهريًا.

هذه البقع الأكثر كثافة

التي تنمو فيها البذور تدريجيًا أكثر،

ترى أنّ جاذبيتها تجذب تدفقات

من المادة السوداء.

وكذلك تُجمع المادة الطبيعية هناك أيضًا،

وتُركّز أكثر فتُشكل النجوم الأولية

بعد الانفجار العظيم بحوالي 400 مليون سنة.

وبالنهاية، هذه الكتل الصغيرة من بداية الكون

تصبح مجرات وعناقيد مجرات،

وأصبحت الآن عشرات مليارات السنين الضوئية.

مجرتنا، الجزء الخاص بنا من الكون

بدأ بالطريقة ذاتها

كاضطراب ضخم في الفضاء

قبل 13.9 مليار عام.

انظروا إلينا الآن،

بمَ يختلف هذا عن القصة الأصلية؟

ما تزال هناك أسئلة بلا إجابة متعلقة

بعلم الكون، ما الطاقة السوداء؟

وما هو دور المادة السوداء بالكون البدائي؟

من أين جاء الكون ببادىء الأمر؟

أهناك أكوان أخرى مخفية

ولا يمكننا رؤيتها؟

لو بدأ الزمان والمكان عند الانفجار العظيم

هل منطقي أن نسأل ماذا كان قبله؟

أو كسؤال، ما الشمال في القطب الشمالي؟

إننا لا نعرف إجابة هذه الأسئلة.

وصدقوني، هناك آلاف الأسئلة الأخرى

المشابهة لها.

ولكن إليكم الجزء الممتع بالأمر

ربما يمكننا الإجابة عنها، بنهاية المطاف

حتى أن نسأل إن كان للكون بداية

ناهيك عمّا حدث مسبقًا والآن،

أكانت المعضلة قبل قرن أو اثنين؟

أصبحت لدينا الآن معالجة لطيفة للأمر

ويتحسن تدبرنا للأمر دومًا.

العلم! طرح الأسئلة والإجابة

عن أكبر التساؤلات، أنا أحب هذا.

تعلّمنا اليوم، أن الجدول الزمني لتاريخ الكون

يمكن رسمه باتباع الفيزياء الحديثة

والملاحظات المتعلقة بالفضاء.

حيث بدأنا بالانفجار العظيم،

عندما كان الكون حارًا وكثيفًا، وتوسع وبرد ومرّ

بمراحل عدة حيث نشأت أنواع مختلفة للمادة.

واجتاز لحظة ظاهرية سريعة بالتوسع

وتسمى التضخم،

والتي سوّت الكثير من الكتل في المادة.

والمادة الطبيعية شكلت الذرات بمدة

بين 3 إلى 20 دقيقة بعد الانفجار العظيم،

والكتل التي تُركت من التضخم شكّلت المجرات

والتراكيب الكبيرة التي نراها اليوم.

تم إنتاج Crash Course Astronomy

بالتعاون مع أستوديوهات PBS Digital.

زوروا قناتنا على يوتيوب لمشاهدة فيديوهات

رائعة أخرى. وأنا فيل بلايت مؤلف هذه الحلقة،

وحرر النص بلايك دي باستينو

ومستشارتنا هي د. ميشيل ثالر

وأخرجها نيكولاس جينكينز وأعدت المونتاج

نيكول سويني ومصمم الصوت مايكل أراندا،

وفريق الرسومات Thought Café.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *